الفصل الخامس – التقييم العميق

 من أجل الوصول إلى المعنى الأعمق لحياتك ، وإلى الهدف الأسمى من وجودها ، فلا بد من وجود تقييم عميق ، ولا بد لهذا التقييم من أن يكون مستمراً ، و مستداماً . وهو بشكل أساسي عبارة عن تقييم يتعلق بالعلاقات . إلا أنه تم استخدام كلمة ” العلاقة ” هنا بمعناها الأكثر شمولاً و اكتمالاً مع كل ما ترتبط به ليشكل تلك العلاقة . مثل ممتلكاتك ، ومنزلك ، وعملك ، والعالم نفسه ، و التغيير الذي يحدث في العالم ، والأمة التي تعيش فيها ، وأشياء أخرى كثيرة أيضاً – لأنها كلها تُشكل علاقات.

تعتبر هذه وسيلة مهمة جداً للنظر و البحث في مشاركتكم في العالم ، لأنها ستتيح لك طريقاً واضحاً جداً لاتباع وتمييز ما هو قيّم ، وما هو ليس كذلك ، ما هو مفيد ، وما هو عائق ، وما الذي ستحتاجه في المستقبل ، وما الذي سيعيق تقدمك . وهكذا ، فإن علاقاتك ليست مع الناس فقط ، وإنما مع الأماكن ، والأشياء ، والأحداث ، والدول ، ومع العالم بالكامل.

لا يفكر الناس في كثير من الأحيان في بعض الأشياء التي تقع في سياق العلاقات ، و لربما يكون ذلك وسيلة جديدة للنظر والبحث في العالم من حولك. لأن قيمتها تكمن في أنها تتيح لك تمّيّزاً واضحاً للغاية ، وما تقوم به العلاقات في منطقة ما ، يمكن أن يُترجم إلى باقي المناطق كذلك . فإذا كانت لديك علاقة مؤذية مع العمل ، على سبيل المثال ، فإنها ستولد العديد من الصعوبات و المقاومة في حياتك و لتصبح علاقة صعبة مع شخص ما . وإذا كنت تعاني من علاقة صعبة بمنزلك ، فإنها ستعيق تقدمك ، و ستحدّ من إمكانياتك . 

أنه لديك علاقة مع المستقبل ، وهذا صحيح لأنك أرسلت إلى هذا العالم لخدمة العالم في بداية فترة التغيير العظيم . لديك علاقة مع المستقبل . كما لديك علاقة مع الماضي ، أو مع تقييمك للماضي لنكون أكثر دقة.

 ستكون حالة حياتك بشكل عام ، بعد ذلك ، قد شكلت حالة من كل تلك العلاقات ، ولن يكون لديك علاقات محايدة . ولذلك ، فإن كل علاقة من تلك العلاقات ، إما أن تساعدك أو أن تعيق تقدمك ، و تحدّ من إمكانياتك ، بل وقد تعيدك إلى الخلف .وعند ذاك فإما أن تكسبك قوة ، أو أنك ستفقد تلك القوة في كل علاقة من تلك العلاقات . ومما لا شك فيه ، أن هناك ثمة علاقات قد تكون أكثر أهمية وفعالية من غيرها ، ولكنها جميعاً لها تأثير على حياتك . 

وبالتالي ، فإن التقييم العميق هو في الحقيقة تقييم ما تعطي حياتك له ، وما تقوم بتحديده في حياتك أن يكون المؤثر الأقوى لها، حيث أن كل علاقة تُمثل تأثيراً . إن قوة التأثير في العلاقات مهمة جداً ، ولكن معظم الناس ليسوا على بيّنة من ذلك ، أو على نتائجها . ومما لا شك فيه بالنسبة إليك ، هو أنه يمكنك أن تدرك بأن الشخص الذي اقترنت به كزوج سيكون له تأثير عظيم عليك ، وربما التأثير الأعظم على حياتك . ولكن الناس نادراً ما يعتقدون أثناء فترة الاقتران بالزواج أو الشراكة ، من أنه سيكون للشريك ذلك التأثير العظيم على حياتهم . وهكذا ، فإذا ما تمت إضافة هذا المعيار في تقييم الشخص الآخر في علاقتهما ، واحتمالات التوحد والشراكة مع شخص آخر ، فربما ستكون النتيجة مختلفة تماماً عما تراه في العالم اليوم .

الشئ الذي يجب إعارة الانتباه إليه ، فهو أن كل هذه العلاقات يُمثل تأثيراً ، وكلها تؤثر بك ، وأنت بدورك تؤثر بها جميعاً . وهكذا ، فأنت تمتلك قوة في هذا العالم ضمن هذا المعنى ، في حين أن العالم أيضاً لديه قوة عليك . ولذلك ، فإن القوة تتحرك في كلا الاتجاهين . وهذه القوة تمنحك قوة اتخاذ القرار ، والذي يمكن أن يُنفذ على المزيد من الظروف التي تعيها حتى الآن . لذا ، فإن قوة اتخاذ القرار تعتبر أمراً أساسياً لنجاحك ، و لمستقبلك في العالم التي سيتأثر بأمواج التغيير العظيمة – بسبب الدمار البيئي ، وتراجع الموارد الأساسية ، والتغير المناخي في العالم ، وزيادة مستويات عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي الغير مسبوقة ، والأخطار العظيمة للحروب ، والصراعات التي سوف تنتج . 

القرارات التي تُعتبر قرارات مهمة ، هي تلك التي تأخذها الآن ، لكي يتسني لك الوقت للتحضير والاستعداد لأمواج التغيير العظيمة . ولكن الوقت هنا هو جوهر المسألة . ولن يكون لديك قدر كبير من ذلك الوقت ، لأن أمواج التغيير العظيمة قد بدأت بالفعل بالتأثير على العالم . لكن هنا ، تقف مع جميع علاقاتك و كل تأثيرها عليك.

يبدأ التقييم العظيم عندما تحدد معرفة أين أنت الآن ، وكيف تقضي وقتك ، و طاقاتك ، وتركيزك ، واهتماماتك . وحياتك التي وهبت لك ؟ وما الذي فعلته وركزت على فعله ؟ وماذا حققت من مهمات ؟ لا يزال لديك الكثير من الطاقة اليوم ، والكثير من الوقت ، والكثير من المساحة داخل عقلك لكي تتمعن في كل تلك الأمور . لكل علاقة قوة تأثير ، وهي قوة بالغة الأثر . فإلى أين يذهب كل ذلك الآن ؟ وماذا تفعل أنت ؟ ومع من أنت ؟ ما هي أولوياتك ؟ أين يمكنك الحصول على الطاقة في حياتك ، وأين تخسرها ؟ ومن أجل من أنت تخسر حياتك ، ولأجل أي شيء ؟ أين تشعر باليقين ، وأين تشعر بعدم اليقين ؟ ما هو نوع علاقاتك الآن ، والتي تعطيك شعوراً باليقين ومعرفة الاتجاه ؟ وما هي العلاقات التي تخيم على هذا اليقين أو تقوم بتعطيله تماماً ؟ 

وكما ترون ، فهناك العديد من الأسئلة ، وهناك المزيد والمزيد منها ، وهذا هو السبب في أن هذا التقييم العميق يستغرق بعض الوقت . إنه أمر لا يمكن أن تفعله في ساعة كعملية ما ، أو كتمرين . كما أنه ليس وقتاً تفكر في أن تمضيه في عطلة نهاية الأسبوع . ولكنه في المقابل ، هو شيء يجب أن تمنحه نفسك كأحد أهم الأولويات الرئيسة في حياتك ، ولا سيما في هذا الوقت بالذات . ولذا ، ينبغي أن يكون هذا التركيز الرئيسي هو الأهم بالنسبة إليك ، لأنك إذا كنت لا تضع تركيزك وفق هذه الطريقة ، وإذا كنت لم تكتسب فطنة أكبر ، وبصيرة أقوى ، بالإضافة إلى حسن التمييز ، فإنك لن تعرف ما يجب القيام به في عالم اليوم ، أو غداً . ولذلك ، فحين تأتي أمواج التغيير العظيمة ، فإن شكوكك ، وعدم اليقين ، والضعف ستزداد بشكل كبير . 

لذلك ، يجب أن تبدأ في مكان ما ، ومن حيث أنت ، وليس مع ما تريد ، أو ما تعتقد ، أو ما كنت تعتقد أنه سيحدث بعد ذلك ، أو مع أهدافك ، أو طموحاتك ، أو أحلامك . فأين أنت الآن ؟ القرارات المهمة ، هي القرارات التي تتخذها الآن . ومع من أنت ؟ وماذا تفعل معهم ؟ وماذا تمتلك لذلك ، وهل يمنحك ما تفعله القوة ، أو أنه يسلبك القوة ويرميها بعيداً عنك ؟ بماذا تؤمن ؟ وهل تمنحك معتقداتك الوضوح المطلوب ؟ أم هي بدائل للروح بحد ذاتها ؟ أين تُمضي وقتك ؟ وإلى أين يذهب عقلك ؟ وإذا كنت تجلس جلسة تأمل ، فيما يتعلق عقلك ؟ وما هي المشاكل التي يحلها ؟ 

من الواضح أن هذه مهمة كبيرة جداً ومربكة ، لأنها تتطلب منك أن تكون فاعلاً وحياتك واضحة الأهداف . كما أن الموضوعية هنا ذات أهمية مركزية . لا تكن متأثراً أمام فكرة أنه يجب أن تكون مُحبّاً و رقيقاً و شفوقاً كبديل عن حالة الخوف ، هذا هو التفكير السطحي ، هذا التفكير لا يُمثل صفاء الذهن ، أو اليقين الحقيقي على الإطلاق . لا تسقط في فخ الانقسام بين أن تكون مُحبّاً ، وبين أن تكون خائفاً . لأن الهدف هنا هو أن ترى بوضوح الانقسام الحقيقي هنا هو ما إذا كانت لديك الحكمة أم لا ، وسواء كنت مسؤولاً أم لا ، و فيما إذا كنت تستعد للمستقبل أم لا ، وسواء كنت ترى ما هو أت في أفق حياتك أم لا . 

عليك أن تبدأ بالأشياء البسيطة . ومن ثم قم بمراجعة كل ما لديك ، حتى أتفه الأشياء التي لديها أية قيمة من نوع ما ، أو التي تُمثل أي تأثير خفي – مهما كان صغيراً – عليك . فإذا كانت حياتك مليئة بالأشياء التي ليست ذات فائدة أو هدف ، فهي إنما تستنزف وقتك وطاقتك لدرجة معينة . إلا أنك لا تزال تمتلكها ، وهكذا فإنك لا تزال على علاقة بها . فهي تحتل مساحة في منزلك ، وفي عقلك . إن كل ما لديك حقاً هو إما الاحتياجات العملية بشكل أساسي وضروري ، أو تلك الاحتياجات الشخصية ذات المعني ، والتي تعنيك للغاية ، وهذا المعنى يجب أن يأتي بطريقة تدعم من أنت الآن ، وإلى أين تشعر بأنك تتجه في الحياة .

 الأشياء التي تُمثل ذكريات قديمة بالنسبة إليك لها تأثير أيضاً ، فهي تسحبك إلى الوراء ، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه – في الواقع – تواجه المستقبل ، وتتعلم كيف تعيش في الوقت الحاضر بشكل تام . ولذلك ، فأنه من الأسهل التخلي عن الأشياء المادية ، عوضاً عن التخلي عن الأشخاص ، أو الأمان . ولذا ، فهذا هو مكان مناسب للبدء . تُعتبر هذه العملية إحدى عمليات الفرز الخارجي ، وهي تجلب موضوعية أكبر لحياتك ؛ حيث تنظر إلى كل ما حُزت عليه ، وكان لديك ، متسائلاً : ” هل سيكون هذا مفيد حقاً بالنسبة إلي ؟ وهل يعني الي ذلك شخصياً ؟ وهل يعزّز ذلك الوعي لدي ، و يقويني لأفهم ذاتي ؟ ”

 سوف تجد بأن حياتك مشوشة ، وبأن الأمور تُثقل كاهلك و تُغرقك إلى الأسفل ، وأن هناك الكثير من الأشياء القديمة في حياتك التي قد تكون نسيتها ولم تعد تفكر فيها . ولكنها ، في الواقع ، لا تزال ذات تأثير عليك ، ولكن حين تتخلى عنها ، وتسمح لها بالرحيل عنك ، فإنك ستشعر بأنك قد أصبحت أخف وزناً ، وأفضل حالاً . ومع مرور الوقت ، فإن عقلك سيصبح أكثر وضوحا . وهذا هو المكان الجيد للبدء . إنها ليست مسألة تحدّ صعبة للغاية ، ولكنها خطوة البداية من أجل تطوير التميز – التميز في العلاقات وفي كل شيء تفعله ، وفي كل ما لديك ، وكل ما ترتبط به و يمُثل علاقاتك ؛ حيث أن لكل هذه العلاقات تأثيراً عليك ، وعلى وعيك ، وقراراتك ، وعلى الاتجاه الذي تعلم جيداً بأنك ستتبعه .

عليك أن تبدأ بتنقية حياتك ، من أجل تبسيطها ، لأنك لست بحاجة إلى حمل الكثير من الأمتعة الإضافية في المستقبل ، ذلك لأن المستقبل لن يكون مؤكدا في وجه أمواج التغيير العظيمة . ولذا ، فإنك تريد أن تكون مرناً ، و قادراً على التحرك بسهولة ، ولا تريد أن تكون مرهوناً و مُثقلاً بالكثير من الأشياء التي تملكها . وهنا يجب أن تكون صادقاً جداً مع نفسك حول ما كنت تملك ، وما لا تملك ، وحول ما هو ذات معنى ، وما هو غير ذات معنى كذلك .

 ثمة أمل على صعيد مستوى الروح ، لأن الأمر واضح جداً . وهو إما أن يكون ” نعم ” أو ” لا ” أو في بعض الحالات ، سوف يكون هناك حياد . أما بشأن الأشياء التي تمتلكها ، والتي بين يديك ، وأنت مسؤول عنها ، فسوف تجد عموماً بأنه سيكون هناك خيار ” نعم ” أو ” لا ” في أعماق نفسك . وهذا سيجعل اتخاذ القرار بالنسبة إليك أمراً سهلاً جداً ، طالما أنك تتصرف بناء على ذلك ، وتخلص من تلك الأشياء -التي لم تعد تحتاجها ، أو التي لا ينبغي امتلاكها أكثر من ذلك – بعيداً عنك مهما تطلبت الحالة ذلك . إنه تمرين ثمين ، وذا قيمة عالية بالنسبة إليك ، لأنك بحاجة إلى تحرير وقتك وطاقتك لمزيد من الأشياء . وهنا ، فإنك قد بدأت مع أبسط الأشياء ، وأبسط العلاقات ، لأنه ستكون أمامك تحديات أكبر لمواجهتها كلما مضيت قُدُماً . 

ستكون بحاجة إلى كمية هائلة من الطاقة في المستقبل ، ولذا فعليك أن تجمع جميع الموارد الخاصة بك معاً . يجب عليك جمع قوتك ، وبناء تركيزك . فإذا كنت قد أمضيت وقتك وحياتك في غفلة منك ، وتشتت جهودك في كل الاتجاهات ودونما ضبط أو تركيز ، فلن تكون قادراً على القيام بذلك ، لأن القوة هنا مثل التركيز . وإذا لم تكن حياتك محط تركيز ، أو مركزة ، فإن طاقتك ستتبعثر في العديد من الأماكن المختلفة . ولذا ، عليك الآن أن تسد الثغرات . كما عليك الآن استعادة ما كان ضائعاً و مبعثراً . عليك الآن أن تستجمع كل قوتك ، لأنك سوف تحتاج إليها للأوقات الصعبة المقبلة ، وستحتاج إليها من أجل التغلب على التأثيرات الأخرى في حياتك ، والتي كانت تثنيك عن القيام بما يتوجب عليك أن تفعله ، بل و كانت تدفعك إلى الخلف ، و تعيق طريقك كي لا تقوم بذلك ، كما ستحتاجها حتى تستطيع أن تجتاز التأثيرات الأخرى في حياتك ، والتي تعرقل خطواتك ، و تشدّك إلى الخلف أيضاً ، بل و تمنعك من القيام بما تعرف حق اليقين ، وبما يتوجب عليك القيام به ، و تمنعك من إن تبصر الاتجاه الأعظم الذي تحاول الروح في داخلك أن تقدمه لك وأنت تسير قُدُماً إلى الأمام . 

يستمر هذا التقييم العميق إلى مزيد من الأشياء : كعملك ، و علاقاتك ، و علاقتك مع جسمك ، و مع عقلك . و هنا يصبح الأمر أكثر صعوبة في تحقيق الموضوعية لأنك تعرف نفسك بشكل كبير بهذه الأشياء، عندما تعرف نفسك بشئ يجعلك تفقد موضوعيتك اتجاهه.  لأجل مراجعة عملك ، ومراجعة علاقاتك ومراجعة علاقتك مع عقلك وجسمك ، والتي تُمثل العلاقة مع نفسك ، وهو ما يتطلب موضوعية كبيرة جداً . ولكن على مستوى الروح ، فإن الجواب هو الأساسي .

 ففي علاقاتك ، على سبيل المثال ، يجب عليك مراجعة كل علاقة من تلك العلاقات لمعرفة ما إذا كانت تلك العلاقة ستساعدك ، أو أنها ستعيق تقدمك ، وإذا كان الأشخاص الذين تتعامل معهم يتقدمون في الحياة أم لا . في بعض الظروف ، وفي عملك الوظيفي على سبيل المثال ، فإنك قد تضطر للعمل مع الناس بغض النظر عمّن يكونون ، و لكن كيفية تعاملك معهم ، و انخراطك بينهم سوف يُحدث فرقاً كبيراً في الوقع الذي يحدثونه في حياتك .

 أما العلاقات التي اخترتها و انتقيتها لنفسك ، فعليك أن تقوم بتقييم كل علاقة منها على حدة متسائلاً : ” هل تقوّيني هذه العلاقة ، أو تُضعفني ؟ هل يتحرك هذا الشخص في الاتجاه الذي يجب أن أتحرك أنا فيه ؟ هل يربطنا مصير واحد معاً ، أو أنني ينبغي أن أطلق سراح هذا الشخص وأتخلى عنه ليكمل رحلته الخاصة في الحياة ؟ “ 

تعتبر هذه من الأسئلة الهامة ، ولا بد لك من الحصول على القوة ، والشجاعة ، والموضوعية لكي تسأل هذه الأسئلة ، وأن تتصرف وفقاً لذلك . فثمة وجود شخص واحد في حياتك قد يعيق طريقك بالكامل ، وقد يغير مصير ومسار حياتك . ولذلك ، يجب ألا نقلل من قوة التأثير في علاقاتك ، حتى لو كانت عبارة عن علاقة صداقة عادية ، لأن هذه الصداقة إما أن تساعدك ، أو تعيق طريقك في المضي قُدُماً . وهكذا ، فحالما تبدأ في اتخاذ خطواتك في المضي قدماً ، فإنك سوف تدرك قريباً جداً فيما إذا كانت هذه الصداقة ستساعدك ، أو ستعيق طريقك ، و فيما إذا كان ذلك الصديق – الشخص الآخر – يشكك فيك وفي قدراتك ، أو يستخف بك و يستصغر إمكانياتك ، ومن تكون ، ويقلل من قيمة جهودك في التركيز على حياتك ، وإعداد نفسك للمستقبل .

 أنت تحتاج إلى رفاق أقوياء ، ولا يجب عليك أن ترافق من يقللون من شأنك ويحطون من قدرك في حياتك . يمكنك أن تتعلم من التحديات التي تواجههم،  و تستخلص العبر والنتائج من تحدياتهم تلك ، ولكن إذا تعاملت مع أولئك الأشخاص المحبطين عن كثب ، فإنك سوف تفقد ثباتك لهم. 

 هنا تطوير القوة ، والتمييز ، سيستغرق وقتاً ، و يمكن أن يكون صعباً للغاية في ظروف معينة ، لكونك تعتقد بوجود أشخاص عليك أن تحصل على موافقتهم لكي تقوم بما يجب أن تقوم به . هناك أشخاص لا تزال تحاول إقناعهم . هناك أشخاص كنت تعتقد بأنك تحتاجهم من أجل سلامتك ، و الأمان في حياتك ، من أجل الحب أو حتى من أجل المتعة . ولكن على مستوى الروح ، فإن الأمر واضح وبسيط ، وهو أن تقرر ” بنعم ” أو ” لا ” ، لأن الروح تحاول أن تأخذك إلى مكان ما ، في حين أن الجميع من حولك ، بالإضافة إلى كل الأشياء التي تحيط بك ، فإما أن تساعدك ، أو أن تعيق طريقك في اكتشاف وتتبع هذا الاتجاه .

 وكما هو الحال بالنسبة إلى عملك الوظيفي ، هل له مستقبل أم لا في مواجهة أمواج التغيير العظيمة ، وهذا أمر يمكنك تقييمه فكرياً . ولكن في مستوى الروح ، فإنه لا يزال هناك جواب واحد وواضح ، وهو إما ” نعم ” أو ” لا ” . فربما ستحتاج إلى البقاء في هذا العمل  الفترة من الزمن ، كي يعطيك الاستقرار أثناء اتخاذ قرارات أخرى ، وبينما تكتسب مزيداً من اليقين حول المكان الذي يجب أن تذهب إليه ، والخطوات القادمة التي يجب أن تتبعها في حياتك . ولكن إياك أن تربط نفسك إلى وضع لا مستقبل له ، وضع يسلبك الإرادة ، ولن يكون لها وجود حين تأتي الصعوبات العظيمة .

 ولا تربط نفسك إلى أي شخص ، أو أي شيء حتى تُنجز هذا التقييم العميق . ولا تقم بأي خطط كبيرة ، ولا تحاول إعادة جدولة مجرى حياتك . لا تلزم نفسك بالزواج ، أو إقامة علاقة ، حتى تُنهي هذا التقييم العميق مع مرور الوقت . 

لا تعطي لحياتك طريقاً قبل أن تعرف ما هو المغزى من حياتك ، ومن أجل ماذا وجدت ، وما هو الاتجاه الذي يجب أن تتبعه . فإذا اتبعت هذا ، فإنه سينقذك . من السهل عليك أن تقدم حياتك للآخرين – كأن تُلزم نفسك بنوع من العمل ، أو لتأسيس مجموعة من الظروف التي من شأنها أن تمنعك على الإطلاق  من تذكر وإدراك وتحقيق الهدف الأكبر الذي جئت من أجله إلى هذا العالم .

إن الناس يقيمون فيما بينهم علاقات عادية ، وعرضية ، مستخدمين في ذلك معايير ضعيفة ومؤقتة . كما أنهم لا يدركون مدى الخطورة التي تنطوي عليها تلك الالتزامات ، ولا التأثير الذي تحتويه ، وذلك لأنهم يفتقرون إلى التمييز . ولأنهم لا يقدرون قيمة حياتهم ، بحيث يبعدون أنفسهم بسهولة ، و يلزمون أوقاتهم و طاقاتهم من دون أي اكتراث ، بحيث أصبحوا مهملين لأنفسهم ، ولأبعد حد .

إن هذا يعتبر جزءاً بالغ الأهمية فيما يتعلق بالتقييم العميق . وقد لا يمكنك أن تتبع عقلك في هذا ، لأنه هناك دائما العديد من الأسباب والأعذار الجيدة في أن تمنح نفسك للأشياء التي لن تكون ذات قيمة بالنسبة إليك . وهناك دائماً أسباب مقنعة لإعطاء حياتك للناس ، أو للظروف التي لا تُمثل مصيرك. 

هناك أيضاً قوى اجتماعية تشجعك على الزواج وحتى قبل أن تكون على استعداد ، وأن يكون لديك عائلة قبل أن تكون مستعداً ، وأن تلزم نفسك في مهنة ما قبل أن تكون جاهزاً . ولذلك ، فإن كل القوى الاجتماعية قوة عائلتك وتشجيع أصدقائك – وفي كثير من الأحيان تقودك تماماً في الاتجاه الخطأ من حياتك . ولكن لا ينبغي إدانة عائلتك والأصدقاء ، لأنهم لا يعرفون . بل يجب عليك أنت أن تعرف . يجب عليك اكتساب هذه الروح . ولأن الله هو الذي يمنح تلك الروح ، بدونها ستصبح مجرد إنسان تائه في العالم. 

إن علاقتك مع عقلك ، وجسدك ، تُمثل النهج العظيم والتعاليم البالغة التي تنص عليها الرسالة الجديدة . فصحتك العقلية والجسدية بالغة الأهمية . ولكن من أجل التعامل معها على نحو فعال ، عليك أن تجلب نفس الموضوعية لهم . فأنت بطبيعة الحال ، تعرف نفسك بعقلك و بجسدك ، وحتى إلى الحد الذي تعتقد فيه بأن هذا هو أنت . لكن عقلك في الحقيقة هو ليس ما أنت عليه ، وجسدك ليس هو من أنت . لأنه بدلاً من ذلك ، يمثل مراكب للتعبير – مراكب تمكنك من خلالها من المشاركة في هذا العالم ، و ليكون لك تأثير في العالم ، وأن تعبّر عن نفسك وتتواصل مع الآخرين في هذا العالم .

 إنها مركبات لتأخذك إلى مكان ما ، لتأخذك ، من خلال حياتك في هذا العالم ، لتحيا في هذا الوقت ، ولتكون ذا تأثير على هذا الزمن . إنها مراكب . ولذا ، يجب عليك رعايتها جيداً ، والانتباه لصحتها . يجب الاعتناء بها تنميتها جيداً ، وعليها أن تكون قادرة لتمكينك من تحقيق مهمتك في هذا العالم . ولكن إذا ما انحدرت صحتك العقلية ، أو الجسدية نحو المرض ، فلن تكون قادراً على المتابعة أكثر لتحقيق الهدف الأعظم لوجودك في الحياة . وفي معظم الحالات ، سوف لن تعود لتظهر ، لأنك لست على استعداد لاتباعه .

إن وضع حياتك ضمن نظام ، بعدها ، سوف يستوجب أيضاً معالجة احتياجات صحتك العقلية والبدنية على حد سواء . فالعقل يتطلب بنية وهيكل ، كما يتطلب المتعة ، ويتطلب الصحبة ، ويتطلب الراحة . كما تستطيع أن تميز ذلك من خلال الأنشطة الخاصة بك ، ومن خلال التأثيرات التي تجلبها معك إلى منزلك ، ومن خلال وسائل الإعلام ، ومن خلال العلاقات ، ومن خلال الكتب التي تقرأ ، والأشياء التي تفكر فيها .

إن معظم الناس لم يقوموا بتطوير أي تحكم على عقولهم . ولذلك ، فقد أصبحوا ببساطة – ودونما قصد – مجرد عبيد ينفذون كل ما ترغب به عقولهم وحتى دونما تفكير ، بل ويشعرون بالعجز الشديد في هذا الصدد . ولكن أثناء التقييم العميق – والذي هو عملية بالغة الوضوح والموضوعية في حياتك – ستكون قادراً على السيطرة على عقلك والتحكم بتفكيرك ، وأفكارك أكثر فأكثر ، وذلك قبل اتخاذ أي قرار بشأن ما ستفكر فيه ، وما الذي ستستجيب له ، وما ستستمع إليه ، وما ستقرأ ، وما سيكون في منزلك ، وكيف سيكون تركيزك على نشاطاتك الخاصة بك ، وهكذا . . . يجب عليك الحصول على هذه السيطرة ، لأنه إذا لم تكن تتحكم بعقلك كما يجب ، فإن الآخرين سيحددون لك مسار واتجاه حياتك . وقد لا يكون ذلك المسار هو المسار الحقيقي في حياتك ، وهذا في واقع الأمر ، هو الوضع والظرف المأساوي لمعظم الناس في العالم اليوم ، سواء كانوا أغنياء أو فقراء على حد سواء .

 ومن الواضح عموماً أن أولئك الفقراء هم مجرد عبيد ظروفهم . ولكن من الواضح أيضاً أن أولئك الناس الأكثر ثراء ، وحتى فاحشي الثراء ، هم أيضاً عبيد لظروفهم ، رغم امتلاكهم للكثير من الوقت الحر ، ولوسائل المتع المتعددة والكبيرة ، ولكنهم في النهاية ، مجرد تائهين ، ومحرومين كأولئك الفقراء من حولهم . كما أنهم لن يستطيعوا أن يبلوا بلاء حسناً في مواجهة أمواج التغيير العظيمة القادمة إلى هذا العالم ، لأنهم ليس لديهم مزايا للمواجهة ، فثرواتهم يمكن أن تضيع بسهولة ، ويمكن أن تصبح هدفاً الأشخاص طامعين أخرين ينتظرون افتراس تلك الثروات والانقضاض عليها . ولذلك فهم سيظلون يعيشون في رعب شديد وقلق دائم ، خوفاً من أن يخسروا ما لديهم ، وما بين أيديهم ، لذا ، فإنهم يخافون من كل الناس ومن كل الأشياء التي يعتقدون بأنها قد تسلبهم ثرواتهم ، أو تُبعد عنهم الملذات ، والحرية ، أو الفرص المتاحة لهم .

 هذا هو الوقت المناسب ، بعد ذلك ، لإدراك ما هو المطلوب لأجل عقلك ، وما هو مطلوب لجسدك ، و بهذه البساطة لأنها أمور بسيطة . لا شيء معقد هنا ، فالأمر يتلخص فيما إذا كنت تتبع الروح ، لا شيء معقد هنا ، لأن لديك إرشادات بسيطة ، وما عليك سوى الالتزام بها ليس إلا . 

 بشكل عام ، و فيما يخص التقييم العميق ، سواء ذلك الذي يتعلق بممتلكاتك ، و علاقاتك ، و التزاماتك ، سيكون من المهم بالنسبة إليك خلق مساحة في حياتك لتدع الأمور تسير ، ولكي تفتح حياتك ، وأن تفتح أبواب حياتك من أجل السماح لأن يكون هناك مساحة فارغة في حياتك وغير مشغولة بأي شيء آخر .وأثناء قيامك بذلك ، سوف ترى كم كنت تحاول الحصول على اليقين من خلال امتلاكك للأشياء ، ومن خلال علاقاتك ، ومن خلال التزاماتك ، وغير ذلك . ولكن لربما ستشعر بقدر أقل من اليقين في حياتك ، وأنك الآن أكثر ضعفاً ، إلا أن هذا أمر مختلف لأنه سيخلق مساحة ستملؤها بالقوة الكبرى وبالحرية لتضعها في مسار جديد ، والذي سيجلب أشخاصاً جدداً و ظروفاً جديدة إلى حياتك. وإذا ما امتلأت حياتك بالفعل إلى قمتها ، فلا شيء جديد يمكن أن يأتي . ولن يكون هناك أي تجارب جديدة ، لا اكتشافات جديدة ، ولا علاقات جديدة ، كما ستنعدم الفرص الجديدة . 

لذلك ، فإن التقييم العميق في البداية هو عملية تميز ،  وتسريح . لأنك ستُميّز بين ما هو مهم حقاً ، وستفرج عما هو ليس مهماً بالنسبة إليك . فأنت تُغيّر علاقاتك مع الأشياء ، ومع الناس ، ومع الأماكن ، ومع الالتزامات . و فيما تقوم بذلك ، فإنك تتغيّر بشكل خفي ،ولكن على مستوى ذي قوة تتزايد وتكبر شيئاً فشيئاً ، وهذا ما سيقوّي علاقتك مع عقلك ، وجسدك على حد سواء . فهنا ، أنت تكتسب المزيد من القوة والتعلم لتصبح موجهاً داخلياً ، بدلاً من مجرد كونك موجهة من الخارج . 

كثير من الناس يسألون : ” حسناً ، ماذا عساي أن أفعل في وجه أمواج التغيير العظيمة ؟ ” . والجواب هو أنك يجب أن تبدأ مع هذا التقييم العميق . لأن هذا التقييم أمر أساسي . ولأنه إذا لم يتم القيام بهذا التقييم ، فلن تكون حراً لتعرف وتتعلم ، ولن تكون حراً كي تتصرف وتتفاعل ولن تكون حراً في التحرك مع الروح . وستبقى واقفاً في مكانك ، كما لو كنت مقيداً بالسلاسل إلى الجدار ، وغير قادر على الحركة ، وغير قادر على إعادة النظر في حياتك الخاصة ، وفي الحياة عموماً ، وغير قادر على تحديد اتجاه المسار الجديد . وسوف تصبح حياتك هامشية وبعيدة ، ثم ستسلّمها للأخرين في نهاية المطاف ، أو أنك ستضيع ببساطة في خضم الأفكار التي لا تُحصى ، والمساعي المتعددة التي تحملها معك في مسار حياتك . 

عليك أن تبدأ مع التقييم العميق ، وهذا التقييم سوف يستمر  ، أنه يستمر من أجل تحقيق الوضوح والبساطة ، والتركيز على حياتك المستمرة . ولا يتحتم عليك أن تقوم به دفعة واحدة لأنه موجود ، ومستمر . كل شيء من حولك يريد أن يرهقك ، ويُكبّلك ، بل ويُثقل كاهلك أكثر بالممتلكات ، وبالناس ، و بالأماكن ، و بالفرص ، و بالمشتتات ، و بالإثارة ، وهكذا دواليك . ولذلك ، يستمر التمييز ، في تنبيهك بأنك يجب الإبقاء على حياتك منفتحة ، وواضحة ، ومرتبة . كما يجب عليك أن تملأ حياتك بالناس ، و بالأماكن ، والأمور التي تعزز من قوتك ، وهذا يشجعك ، بل ويرمز إلى أنك تتمتع بالقوة والمسؤولية للعيش بشكل كامل في الوقت الحاضر ، والاستعداد للمستقبل بطريقة حكيمة وفعالة . 

وهنا ، يجب عليك أن تتعلم كيف ، ومتى تقول ” نعم ” أو ” لا ” في وجه أشياء كثيرة ، وأن تقول ” لا ” حين يلزم الأمر حتى لعقلك ، و لدوافعك الخاصة ، و لإدمانك ، ولتلك المتع التي تؤذي عقلك ، وجسدك ؛ و ” لا ” للأشخاص الذين يريدون منك أن تفعل ما يريدونه منك ؛ و ” لا ” للفرص التي تبدو جيدة ، ولكنها ليست كذلك في المستوى الأعمق ، ولا يمكن أن تقبل بها ، و ” لا ” لجمع الناس من حولك ؛ و ” لا ” لأنك لن تعمل بنصائحهم لك ، و ” لا ” لرفضك الانضمام إلى المجموعة ؛ و ” لا ” لأنك لن يقبل تصوّرهم للواقع . يمكنك القيام بذلك ، ولكن من دون غضب أو إدانة ، ومن دون خوف من ردة الفعل أو حتى الرفض ، ولكن بكثير من الصدق والوضوح ، والبساطة . 

لا تغضب لأن العالم مليء بالخداع ، والتضليل ، لأنه عالم من دون الروح . فالناس لم يعثروا بعد على هدية الله العظيمة ، وهكذا فهم يتصرفون بحماقة ، لأن تصرفاتهم إنما هي محاكاة لبعضهم البعض ، مُنقادين إلى الأعراف الاجتماعية التي يفرضها المجتمع عليهم ليتبعوها . فهم يتبعون أصدقاءهم ، وجماعاتهم ، وقادتهم ، ودياناتهم – وكل شيء آخر . ولأنهم من دون الروح ، فماذا يمكنهم أن يفعلوا غير اتباع كل ما هو بديل عن تلك المعرفة ؟

 ولذلك ، لا ينبغي أن يكون هذا مصدراً للغضب بالنسبة إليك إذا كنت ترى بوضوح . إنه لأمر مأساوي حقاً ، نعم ، إنه كذلك ، بل ومن المؤسف إلى حد كبير ، نعم ، فعلاً إنه كذلك . ولكنك لا تستطيع أن تكون ناقداً في العالم الآن .

و بدلاً من إدانة الآخرين ، و إدانة الحكومات العالم ، و الحياة ، يجب عليك أن ترسم مسارك الخاص ، و مصادرك المهمة لك أيضاً . لأن كل تلك الإدانات إنما تُمثل فقداناً ضخماً للطاقة ، والذي لن يضيف سوى المزيد من الاحتكاك والشكوى للحياة ومن دون أية فائدة إيجابية تُرجي . وهكذا ، فإذا لم تتحرك حياتك مع الروح ، فإن موقفك كناقد سيكون مجرد موقف عبثي ، بلا جدوى ، وستبقى في خط الدفاع عن النفس . وهذا هو جزء من الحفاظ على طاقتك . 

وفي نهاية المطاف ، فإن التقييم الكبير سيعيد إليك القوة ، و سيجعلك تتصل مع الروح ، و يحفظ طاقتك . ربما أنك لم تدرك حتى الآن قيمة الحفاظ على طاقتك ، لأنك كنت تريد أن تملأ كل لحظة من حياتك بالمتعة ، والإثارة ، وبالأنشطة ذات المغزى ، مع أناس ممتعين . تريد أن تملئ المساحة ، ولكن عليك أن تفتح مساحة وفضاء ، والإبقاء عليها فارغة احتياطاً لذلك ، لأنه في تلك المساحة فقط ، ستأتي الإنجازات الجديدة إليك ، وستصبح عند ذاك قادراً على رؤية الأشياء التي لم يكن بإمكانك أن تراها من قبل ، ومعرفة الأشياء التي لم يكن بإمكانك أن تعرفها من قبل ، و لتمييز الأشياء التي كانت بعيدة المنال من قبل وهكذا ، سيدخل أشخاص جدد إلى حياتك ، وكذلك فرص جديدة ، لأن الفضاء المناسب قد أصبح متاحاً بالنسبة إليهم . لذلك ، فإنه من الجوهري أن يكون ذلك الفضاء موجوداً في حياتك ، وكذلك هذا الانفتاح ، ولا ينبغي أبداً أن يمتلئ . فإذا لم يتم إملاؤه ، فإن الوقت قد حان لتسريح أمور من حياتك من جديد. 

 حتى لو كانت حياتك تعمل بشكل مناسب تماماً ، وحتى إذا كنت تعيش حياة الطريق إلى الروح ، وحتى لو كان لكل شخص في حياتك معنى بالنسبة إليك ، وكان مؤيد للروح التي بداخلك ، أو من أجلك ، فإنك ستبقى بحاجة إلى خلق هذا الفضاء المفتوح في حياتك ؛ حيث يكون خالياً من أي شيء إلا الفراغ إنه الفراغ الذي سيسمح لك بأن تكون ساكناً وتسمح لنفسك بالاستماع ، تسمح لنفسك بأن تبصر ، وتسمح لنفسك بأن تبحث ، ويسمح لك أن تكون حاضر مع شخص آخر ، و لتجرب المكان الذي أنت فيه و تتمتع بروعة الطبيعة . هذا هو الفضاء ، هذا الفراغ ، وهذا الصمت سيسمح لك لتميز علامات وإشارات العالم ، وحركة الروح داخل نفسك . 

فبدلاً من محاولة ملء ذلك الفراغ ، عليك أن تُنشئ الفضاء لذلك ، وأن تحتفظ بجزء من حياتك مفتوحاً ، وغير مفسر وغامض على حد سواء ؛ حيث لا شيء يحدث هناك ، وهذا ما سيسمح لك لتبقى مُعجباً بالحياة و مبجلاً لها ، وأن تحظى بتجربة صافية ونقية ، بدلاً من أن تُحفز تفكيرك ببساطة . إنه يخلق الفرصة لك لتمتحن نفسك خارج الزمان والمكان ، إنها تجربة النعمة ، تجربة المعلمين الغير مرئيين الذين يساعدونك لاستعادة الاتصال مع الروح ، لأنك حين تتصل بها ، سيتحقق الهدف الأعظم من وجودك في العالم .

 و يمكنك هنا أن تتخيل أنه إذا قمت باتباع ذلك ، فسوف يحتوي منزلك على أشياء قليلة جداً بداخله ، ولكن كل ما فيه مفيد جداً . كما أنه سيكون لديك عدد قليل جداً من الناس في حياتك الشخصية ، ولكن سيكون لكل شخص قيمته العالية والثمينة . بدلاً من محاولة ملئ فضائك الداخلي ، عليك أن تُبقي جزء من حياتك منفتحاً ، و غامضاً من دون تفسير . كما أن وقتك لن يضيع سدى ، أو يمتلئ بشكل غير صحيح ، ولكن سيكون فيه بعض الفسحات من أجل تجارب جديدة ، ولن يكون عقلك دائم التحفيز ، ولكن سوف يكون قادراً على التفكير بهدوء ، و قادراً على الملاحظة و حساساً في الرؤية ، والاستماع ، وإدراك الأشياء . 

إن ذلك يشبه وكأنك تسير في الاتجاه المعاكس لغالبية الناس من حولك ، والذين يريدون الحصول على كل الأشياء لأنفسهم – كممتلكاتهم ، والناس ، والتجارب ، والأحاسيس ، والمؤثرات – إلى الدرجة التي لن يكون لديهم أية فكرة عن أنفسهم . ذلك لأن حياتهم مليئة بالمؤثرات الخارجية . وليس لديهم شعور أين هم في الحياة ، وإلى أين هم ذاهبون ، أو إلى أين يسير العالم . ولذلك ، فهم – ببساطة – قد كنسوا أنفسهم بعيداً بهواجسهم تلك . 

يمكنك بعد ذلك أن تتخيل نتيجة لهذا التقييم العميق ، أن حياتك ستصبح بسيطة ، وواضحة ، وأنك ستصبح قادراً على تمييز الفرص في أكثر المستويات جوهرية – بغض النظر إذا كانت سارة أم مثيرة — ولكن إذا كانت حقاً ذات مغزي حقيقي ، وما إذا كانت تخدم هدفك ، أو إذا كانت تصرفك عنه . 

ستكون قادراً بالتأكيد على امتلاك متع بسيطة على طول الطريق ، ولكن أي شيء قد يتطلب المزيد من التدخلات الخطيرة – كإنشاء علاقة جديدة ، أو ملكية مهمة ، أو فرصة في عمل ، أو فائدة جديدة – فإن هذه الأمور يجب أن يُنظر إليها بعين التمييز ، لأن العالم كله يريد منك ملء نفسك ، في حين أنك في جوهر تفكيرك ، تحاول تفريغ نفسك . وهذا هو السبب في أنه يجب أن يكون التعرض لوسائل الإعلام محدوداً جداً . ولذلك ، قم فقط بالبحث عن الأشياء المهمة التي تتعلق بأمواج التغيير العظيمة ، أو التي تهم ظروفك و بيئتك بشكل.

لا ينبغي أن يستفزك العالم  ، ولذلك ، عليك أن تحافظ على مسافة معينة بينك وبين العالم إذا كنت تأمل حقاً في أن تكتسب قوتك ، وبناء تميزك ، و تنمى تحفظك ، و تتعلّم كيف تصبح ملاحظاً حقيقياً — تبدأ بشكل حقيقي بأن تبصر بماذا تحتاج بأن ترى في نفسك وفي الآخرين . لن يكون بمقدورك أن تفعل ذلك إذا كنت تجري حول نفسك كشخص مجنون – مُنقاداً باحتياجاتك ورغباتك ، والتزامك بالآخرين . ولهذا السبب يجب أن يحدث التقييم العميق في البداية إذا كنت تريد أي فرصة للنجاح في حياتك . كما أن هذا التقييم سيستمر ، لأنه يوجد هناك عتبات يجب عليك أن تتجاوزها. 

فثمة جزء من هذا التقييم سيتم بمساعدة أشخاص آخرين . ولذا ، فإن جودة ونوعية علاقاتك الآن سوف تصبح أكثر أهمية بالنسبة إليك ، بعد أن أدركت الآن بأن كل علاقة لديها تأثير كبير ، ونفوذ أكبر عليك ، سواء كان ذلك التأثير دعم ظهور الروح في داخلك أم أنه يصرفك عنها كي لا يسمح لها بالظهور ، وسواء كانت تشجعك كي تستعد لأمواج التغيير العظيمة ، أو إن كانت تُبعدك عنها كي لا تستعد لها . ولذلك ، فإنه سيكون لعلاقاتك هنا الأهمية الأكبر ، وهذه الأهمية سوف تنمو مع مرور الوقت .

 بينما أنت تمضي قدماً ، فإن حياتك سوف تحصل على المزيد من الموارد ، والطاقة . وسوف تكون قادراً على القيام بالتغيير الكبير – تغيير لم تكن تستطيع القيام به من قبل لأنك لم تكن لديك القوة الكافية لتفعل ذلك كما كنت تفتقر إلى الفعالية اللازمة داخل نفسك لإحداث ذلك التغيير .

كنت قبل ذلك ترى الأشياء التي كنت تعرف بأنك تحتاج للقيام بها ، ولكن لم يكن لديك القوة للقيام بها . لأنك لم تكن تستطيع تجاوز عقلك ، أو آراء الآخرين . لم تكن قوياً بشكل كاف للقيام بذلك . أما الآن ، فيمكنك أن تفعل ذلك ، وهذا ما سيجعل حياتك أكثر تدفقاً ، وأقوى حركة . 

هل يمكنك أن تتخيل بأن كل شيء في حياتك يُمثل الهدف الأكبر بالنسبة إليك في العالم ، و المعنى الأكبر لحياتك ، وأن هذا قد أعطاك ما يكفي من القوة لكي تستطيع التعامل مع الشدائد الآن ؟ ولن يهزمك شيء . كما أصبح بإمكانك التعامل مع الآخرين الذين لا يتفقون معك ، أو حتى توجيه الانتقادات لك من دون أن تفقد نفسك ، أو تنصاع إلى وجهات نظرهم .

 هذا هو مصدر التحقيق و السعادة في حياتك . وهو يبدو كما لو أنك قد خضعت لعملية استصلاح ؛ حيث أعدت استصلاح نفسك ، وقد سمحت لبعض الأشخاص الآخرين . الذين قدموا لك الدعم والنصيحة للقيام بذالك الاستصلاح . لأن يدخلوا في حياتك ، و يشاركوك حيّزاً منها . إن ذلك الاستصلاح في حقيقة الأمر ، هو في الأساس استصلاح من أجل الروح .

 لقد اكتسبت خلال طريقك المهارات التي يمكنك استخدامها الآن لكي تقدم المساعدة للآخرين ، لأنهم يجب أن يكونوا قد ابتدأوا التقييم العظيم أيضاً . كما يجب عليهم أيضاً أن يتعلموا كيف يحصلون على قواهم الخاصة بهم واستعادة حياتهم التي أهدروها من قبل ، ودون أدنى اعتبار أو تفكير بها . ولذا ، فإن الأدوات التي تكسبها ، والقوة التي تكسبها ، والمهارات التي توظفها سوف تصبح الموارد التي ستساعد الآخرين في المستقبل ، وسوف تقوم بفعل ذلك طبيعياً ، ومن تلقاء نفسك . وحتى حياتك ستكون برهاناً على ذلك ، والتي سوف تُلهم و تحير أشخاصاً آخرين .

تكمن الحقيقة في أنك لست في المكان الذي يجب أن تكون فيه في الحياة ، وأنت تعرف ذلك ، وهذا ما يفسر عدم شعورك بالراحة ، كما لا تبذل الجهد في محاولة للتخلص من عدم الراحة ، و الانزعاج ، ولكنها علامة واضحة من داخلك تشير إلى أنك يجب أن تتحرك ، وبأن ثمة تغييراً يجب القيام به ، وعليك أنت أن تفعل ذلك . ولهذا ، اسمح لنفسك أن تكون مع عدم الارتياح . اشعر بالانزعاج . وانظر إلى ما يقوله لك . أين هي نقاط الانزعاج وعدم الراحة ؟ وأين تكمن في حياتك التي تعيشها ؟ وما هي الأكاذيب التي كنت تكذب بها على نفسك و عن علاقتك مع هذا الشخص أو ذاك ، أو هذا الشيء أو ذاك المكان ؟ 

ومن أجل ذلك ، فلا بد لك من أن تتغلب على الأهواء داخل نفسك ، وعلى العادات الموجودة فيها ، وكذلك على غيرها من الأصوات التي تصدر عن العالم من حولك ، والتي وضعت في عقلك لتخبرك بأنك إنما تطلب أشياء لا تريدها في حقيقة الأمر ، أو أنك تريد الحصول على أشياء لتجعلك تبدو أكثر جاذبية وأكثر نجاحاً .

 إنها عملية كبيرة جداً ؛ حيث تظهر حقيقة أنك لست في المكان الذي يجب أن تكون فيه . ولذلك ، إياك أن تقنع نفسك بأنك في المكان الصحيح ، أو في المكان الذي تحتاجه أن تكون فيه ، لأن هذا سيكون مجرد حماقة . ولن تقنع الروح داخل نفسك .

فأمامك جبل عظيم لكي تتسلّقه ، ويتوجب عليك أن تتابع صعودك في تسلق هذا الجبل لكي تحقق مصيرك و لتكتسب الرؤية الحقيقية للعالم ، والتي سوف تصبح واضحة لك عندما تصل إلى ارتفاعات أعلى في هذا الجبل.

فمهما قلت لنفسك ، لا يمكنك إقناع الروح داخلك، ولذلك ، عليك أن تصل إلى المكان الذي ينبغي أن لك أن تكون فيه . أن تكون في الوضع الأفضل لك من أجل المستقبل – لاستعادة قوتك ، ومهاراتك ، والمواهب الكثيرة من أجل خدمة العالم الذي ستزداد احتياجاته وتنمو لتصبح أكثر عمقاً في المستقبل.