الفصل الثالث – التخلص من الماضي

تستعد الإنسانية للعيش في مستقبل مختلف للغاية ، مستقبل لا يشبه الماضي في نواح كثيرة . وما التغيير المتسارع الذي تواجهه من حولك ، وحتى داخل نفسك ، سوى دليل على ذلك . ولكن ليس مجرد أن ظروف حياتك المباشرة ستسير من خلال التغيير ، أو أنك لربما كانت لديك تجارب جديدة أخرى داخل نفسك . إن العالم كله يتغير ، ذلك لأن أمواج التغيير العظيمة قد أصبحت فوق العالم ، في حين تواجه الإنسانية الآن عدة اتصالات ، وربما تدخلات من أجناس ذكية في الكون ، ومن المجتمع الأعظم للحياة التي يوجد فيها العالم الذي تعيشون فيه .

من أجل أن تكون قادراً على التعرف على ما سبق ذكره ، وللاستجابة له وفقاً لذلك ، عليك أن تكون قادراً على التفكير بوضوح . عليك أن تكون قادراً على رؤية واضحة ، وبموضوعية كبيرة . عليك أن تجلب الحسّ السليم لديك من أجل أن تكون قادراً على اتخاذ القرارات الخاصة بك . ولكن هذا قد يبدو أمراً صعباً على الناس وبشكل ملحوظ . وذلك بسبب أن أفكارهم إنما تعكس الماضي . وكذلك افتراضاتهم . فهم يفترضون ، بل ويعتقدون بأن المستقبل سوف يكون شبيهاً بالماضي ليس إلا .

 لقد أصبحت تلك الافتراضات والمعتقدات متأصلة للغاية في أذهان الناس ، لدرجة أنهم يفكرون بأن الحياة عبارة عن مجموعة من الدورات كما هي في الماضي – كالدورات الاقتصادية ، ودورات الحياة  – كما لو أن الماضي يفرض نفسه ببساطة ، ويعيد تكرار نفسه مرة تلو مرة مثل تكرار المواسم الرتيب ، أو أنه يشبه شروق وغروب الشمس . إلا أن هذا الماضي يمنع الناس من الرؤية بوضوح ، ويمنعهم من استحضار المشاعر والأحاسيس الشائعة لمجموعة جديدة من الأسئلة ، كما ويمنعهم من إدراك أن حياتهم تتغير ، وبأن عليهم أن يتخذوا الآن قرارات لربما كانت مختلفة ولا تشبه أي قرارات كنت قد اعتدت على اتخاذها في أي وقت مضى . 

هناك الكثير من الناس يريدون التخلص من الماضي بسبب فشلهم ، وخيبات الأمل ، لأن هذه الأمور تؤذي مشاعرهم ، و غالباً ما تفعل . ولكن للتخلص من الماضي الآن أهمية أكبر هنا . . وتأتي تلك الأهمية لكونها ترتبط بقدرتك على الرؤية ومعرفة الحقيقة ، والاستجابة للظروف المتغيرة في حياتك . 

أما إذا لم تكن ترى هذه الأشياء ، وتستجيب لها بشكل مناسب ، فسيكون للتغيير تأثير مدمر عليك ،لأنه سوف يدركك ، و سيباغتك لأنك لم تستطع رؤيته قادماً إليك . ولذلك فأنت لم تستطع تمييز نتائجه . ولم تر أهمية اتخاذ قرار العودة إلى الروح عندما كانت لديك الفرصة لاتخاذ القرار . ولذلك ، يعتمد الكثير من النجاح والفشل في الحياة على القدرة على الرؤية ، والمعرفة ، والاستجابة بشكل مناسب ، وحتى في اتخاذ قرارات لست معتاداً على اتخاذها ، وحتى مواجهة الظروف التي لا تتكيف معها ولا تستخدمها .

 لقد وضع الله في داخلك ذكاء أعظم من أجل مساعدتك في اتخاذ هذه القرارات ، ولمساعدتك على الرؤية والمعرفة ، وإدراك الظروف التي يجب أن تستجيب لها . وقد منحك الله عينين لترى و أذنين لتسمع . ولكن ، ولأن العقل مرتبط بتركيزه على الماضي ، وعلى افتراضات الماضي ، فإن الرؤية والسمع تسبب إعاقة كبيرة وفي كثير من الحالات الماضي سوف يسيطر عليك. 

إن الماضي الذي تهرب منه ليس مجرد شعور ينتابك لوحدك فقط إن كان بالفشل ، أو بالخسارة وخيبات الأمل في الأوقات السابقة . إنه حقاً تأثير الماضي على قدراتك من أجل أن تنظر إلى الأمام لترى ما هو آت في أفق حياتك ، ولإدراك أمواج التغيير العظيمة في الوقت المناسب ، بحيث يكون بمقدورك الاستجابة لها . ولكن إذا كنت لا ترى هذه الأمور ، ولم تستجب على نحو ملائم ، فسوف يكون لأمواج التغيير العظيمة أثر مدمر عليك . لأنها حين ستدركك ، فإنك لن تراها وهي مُقبلة . ولكي تُعدّ نفسك جيداً لذلك ، فقد يكون لديك الوقت لتغيير الظروف ، أو أوضاع حياتك بشكل مناسب . 

ستقوم الروح في داخلك بتحذيرك – في وقت مبكر من المخاطر والصعوبات . ولكن إذا لم تكن قادراً على أن تسمع ما تريد الروح أن تقوله لك ، أو إذا لم تأخذ رسائلها على محمل الجد – بصرف النظر عن كونها مجرد تعاليم غامضة أو أنها مجرد مخاوف قادمة – فاعلم بأنك لن تجني أية فائدة من نداء ذلك الصوت العظيم الذي وضعه الله في داخلك . فرغم ذكائك ، إلا أنك لن تعمل بطريقة ذكية ، لأن الذكاء الحقيقي يكمن في القدرة على التكيّف والرغبة في التعلم على حد سواء . هذا هو الذكاء الحقيقي ، لأنه ليس مجرد حلول للمشاكل المعقدة ، أو بناء الآلات المعقدة ، أو في كونك ذكياً و بارعاً . فإذا لم تكن قادراً على أن ترى ، وأن تتعلم وتكتسب المعرفة ، فما هي الفائدة من كل تلك الإنجازات التي منحك إياها عقلك ؟ وإذا لم تتمكن من الاستجابة بذكاء للحياة ، فما قيمة ذكائك ؟ 

إن الله وحده يعلم ما هو آت في الأفق ، ولهذا أرسلت الرسالة الجديدة في العالم . ولكن إذا لم تكن تستطيع أن ترى ذلك ، وإذا كنت لا تستطيع الاستجابة ، وإذا لم يكن بإمكانك أن تتحمل عناء الجهد للقيام بهذه الأشياء التي تقولها لك لتفعلها ، فإن هذه الرسالة الجديدة ستضيع داخلك ، ولن تستطيع أن تجني أية فائدة من تلك الموهبة العظيمة التي مُنحت لك . 

هناك الكثير من الناس يتحدثون عن الاحتمالات بشأن مستقبل يمكن أن يكون المستقبل هنا ، ويمكن أن يكون هناك . فهنا ممكن الحدوث ؛ وهناك أيضاً ممكن الحدوث . فالأرض قد تصبح أكثر دفئاً ، كما أنها قد تصبح أكثر برودة . ولذلك ، فهناك تكهنات لا نهاية لها ، ولكنها تبقى مجرد تكهنات تفتقد للرؤية ، وللمعرفة ، و للإدراك يمكن للناس أن يمضوا قدراً كبيراً من الوقت في التكهنات ، وفي النقاش حول احتمالات هذا أو احتمالات ذلك . ولكن كل تلك التكهنات إنما تستند إلى الماضي ، وافتراضات الماضي ، وتوجهات الماضي ، ومعتقدات الماضي ، وخبرات الماضي ، وكذلك عن تاريخ حياتهم وتاريخ البشرية . يكمن الذكاء الحقيقي في الرغبة في التعلم والقدرة على التكيف . ولكن إذا لم يكن هناك إدراك ، وإذا لم تكن هناك رؤية واقعية ، فإن كل هذا الوقت والطاقة والنقاش والتكهنات ، ستكون فقط من أجل لا شيء ، لأنها لم تحقق لك أية فائدة مرجوّة على الإطلاق .

في هكذا جدل ، فإنك ستبقى أسير الافتراضات التي كنت في الغالب معتاداً عليها في الماضي ، وسوف تسعى لتعزز ما كنت تعتقد أنه حقيقي وصحيح بالفعل . وستحاول الدفاع عن موقفك ، وفرض تأكيداتك و تصلبك حيال مواقفك و معتقداتك وفقاً لمنظورك ، وذلك لتعزيز الماضي . ولكن هذا الإنفاق المسرف – وبشكل هائل – لطاقتك ، و للوقت ، و للموارد ، هي في الواقع مجرد محاولة لتأكيد ما تعتقد بأنه حقيقي وصحيح بالفعل ، وللتغلب على أي اعتراضات على ما تعتقد .  هذا الشئ مرضي لك و هازم لك معاً. 

الحقيقة في هذه الحياة ، تكمن في أنك لا تعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك ، ما لم تمنحك الروح البصيرة أو الدليل. يبني الناس حياتهم كلها على مجموعة من الافتراضات التي لا جدال فيها حول استمرار الأشياء التي يدركونها و المعتادين عليها . ولكن الحياة يمكنها أن تمنحك تجربة جديدة ، كما يمكنها أن تسلب منك قدراتك في لحظة . ولذلك ، يمكن أن تتغير الأمور بالنسبة إليك بشكل مفاجئ ، بل وفي لحظة – كالتعرض لحادث عظيم ، أو خسارة عظيمة ، أو الإصابة بمرض عضال ، أو مجموعة من الأحداث المأساوية في مجتمعك – كالحروب ، والأوبئة والجفاف ، والمجاعة أو الفيضانات – وهكذا حيث تطول القائمة ، ولكن الناس لا يشعرون بالقلق لأنهم لا يبحثون . كما أنهم لا يولون اهتماماً . ولا يقرؤون إشارات العالم التي تقول لهم بأن التغيير العظيم قد أصبح فوقهم . 

فقبل أن يحدث المرض العظيم ، هناك إشارات . وقبل حدوث الجفاف العظيم ، هناك دلالات .

وقبل فشلك في الأنشطة الخاصة بك ، هناك دلالات . وقبل فشل العلاقة هناك علامات . وقبل وقوع أي خطأ كبير ، هناك إشارات . ولكن ، وبعد كل ذلك ، فأين هم الذين يُعيرون الانتباه ؟ الذين يبحثون؟ الذي يمتلكون صفاء الذهن لرؤية هذه العلامات ، والإشارات والدلائل ، وتفسيرها في لحظة ما كما هي عليه في الواقع ، وكما تكشفه حقا ؟ يعتمد الناس خلال حياتهم بالكامل على مجموعة من الافتراضات التي تتمحور حول استمرار الأشياء التي يدركونها و المعتادين عليها .

إذا لم تكن تقرأ الإشارات والدلالات القادمة من العالم ، وكنت لا تتصرف بطريقة ذكية ، فأنت لا تستخدم ذكاءك ، ذلك الذكاء العظيم الذي وهبك الله إياه – ليس التشكيل الاجتماعي ، ولا في استرضاء الآخرين لك وتوقعات الناس من حولك ، وليس في السعي المستمر لاكتساب نجاح ما ، أو للحصول على موافقة ودعم الآخرين – ولكن الذكاء العظيم الذي منحك إياه خالق كل الحياة هو لكي تبصر ، و لتتعلم ، ولتعرف ، و لتتصرّف بالتزام ويقين .

 فكل الدلائل والإشارات موجودة هناك ، وهي تشير إلى أن أمواج التغيير العظيمة قادمة إلى العالم ، وهي تتجمع فوق الإنسانية – كالتدهور البيئي ، وتغيير المناخ ، وفقدان الموارد ، واستنزاف العالم ، وانحطاط العالم ، ووجود التدخل القريب والبعيد من خلال التسابق والتنافس للأعراق الكونية المختلفة للهيمنة على الإنسانية الضعيفة والمنقسمة على نفسها. 

هناك إشارات كثيرة.  هناك الكثير من العلامات . فالعالم يخبرك عما هو آت ، و يحذرك ، ويحاول لفت انتباهك واهتمامك . ولكن اهتمامك الخاص يكون دائماً على أشياء أخرى . كاهتمامك بأشيائك الخاصة و مشاكلك الخاصة ، و ذكرياتك الخاصة ، وعلى هواياتك وآمالك ، وعلى أحلامك ، وعلى مخاوفك ، وعلى نشاطاتك الثابتة ، و  الألعاب المستمرة .

 لقد وصلت الإنسانية في هذا الزمن إلى عتبة حدّ عظيم ، وإلى نقطة تحوّل ؛ حيث أن التغير في مستوى – الذي لم يحدث قط في العالم من قبل – قد بدأ الآن يأخذ مكانه . ولا يمكنك تجنب هذا . لا يمكنك الهروب والاختباء في مكان ما ، ولا أن تحزم حقائبك وتنتقل إلى مكان آخر ، أو أن ترتحل إلى دولة أخرى . فأين ذهبت ، أو ارتحلت ، وأينما كنت ، فإن أمواج التغيير العظيمة ستكون هناك ، وسوف تنمو آثارها مع مرور الوقت ، وستكون تلك الآثار كارثية في بعض الأماكن . 

إن العالم يخبرك بذلك ، و الروح بداخل نفسك تخبرك بذلك ، لأنها هي الحقيقة ، فهي لا تعتمد على المنظور الشخصي ، أو الموقف ، أو المعتقدات ، لأنها لا تغير الظروف العظيمة القادمة . فسواء كنت مُحبّاً و حنوناً ، أو عنيفاً و مُرعباً ، فإنها إما ستساعدك ، أو أنها ستقوم بتعطيل إدراكك لحقيقة موقفك . إن الأمر ليس مجرد مسألة منظور . فلا تخدع نفسك في التفكير بهذا ، ولا تحاول أن تتجاوز قوة الإدراك بأن الله قد وضع في داخلك ما من شأنه حمايتك ، و إرشادك ، وفي نهاية المطاف وضعك في موضع أساسي لكي تقدم الخدمة العظيمة للآخرين . 

بينما عقلك ، و مداركك ، وفكرك ، لا يعرفون ما سوف يحدث لاحقاً ، ولكن الروح في داخلك هي التي ستستجيب للإشارات والعلامات القادمة من العالم و من حكمة الله . وبالتالي ، فإن من أساسيات تحضيرك هو بناء علاقة مع الروح ، واتخاذ الخطوات اللازمة نحوها ، والوصول إلى الحكمة والقوة التي وضعها الله في داخلك ، والتي ستكون أساسية ، وضرورية جداً الآن بالنسبة إليك ، بل وبالغة الأهمية أكثر من أي وقت مضى ، من أجل بقائك و نجاحك.

 إن الشروع في التوقعات المستقبلية استناداً إلى الماضي ، ليس في الواقع سوي شكل من أشكال الحلم والتخيل . إن ذلك ليس أمراً ذكياً . أن تعتقد بأنه سيكون لديك أكثر مما كان عند والديك ، أن تعتقد بأن العالم سوف يوفر لك كل ما تريده ، أن تعتقد بأن الحياة سوف تخضع لتفضيلاتك وأهداف الحمقى التي سوف تهزم نفسك بإتباعها. 

الآن ، وأمام هذه العتبة العظيمة ، سيتوجب عليك قراءة تلك العلامات بعناية فائقة ، وموضوعية للغاية ، سواء مما يريد العالم قوله لك ، وإلى ما تشير إليه الروح في داخلك ، وذلك من أجل البدء في الإبحار في مجموعة الظروف المتغيرة ، و مجموعة من المواقف المتغيرة ، ومن أجل الإبحار قُدُماً في الماء العكر .

يجب عليك التوقف عن الحلم ، والتوقف عن التخمين ، والتخيل ، لكي تستغل الوقت الذي لا يزال قابلاً لكي تستمع ، ولكي تبصر ، ولكي تسمح للإدراك بأن يأتي ببطء من أجلك . هنا لا توجد إجابات سريعة ، ولا حلول فورية . فالناس يريدون هذه الأشياء ، و يتوقعونها ، لأنهم لا يمتلكون القوة الكافية لمواجهة عدم اليقين . ولا تتوفر لديهم المهارات والنضوج لمواجهة مجموعة الظروف التي لا يمكنهم فهمها في البداية . لذلك فهم يطالبون بحلول ، و بأجوبة ، وبأشياء بسيطة ، وبالأشياء التي لا يتطلب القيام بها أي جهد منهم ، أو أية مشاركة ، لأنهم يريدون البقاء على حالهم يحلمون ، ويحافظون على حياتهم الغارقة في الخيال ، وبذلك فإن العالم لا يؤثر بهم أو عليهم ، أو حتى يطلب منهم أي شيء . 

إذا كنت تفهم ما هو الذكاء الحقيقي ، فإنك سترى مدى ضخامة تلك الحماقة ، وكيف أنها ستقود الناس إلى زوالهم . سوف ترى كيف أنها تمنع الإنسان من تلقي الحكمة ، ونعمة الله . لأن الله لن يأتي لك و يُغيّر كافة الظروف لإعطائك ما تريد . لأن ما تريده هو ما يخدعك ، وما يسبب لك الهواجس ويجعلك متوجساً ، وهو الذي يسيطر على انتباهك ، فالحصول على ما تريد ، والحلم بما تريد ، ومحاولة التلاعب مع نفسك أو مع الآخرين ، هو للحصول على ما تريد . ولذلك ، فإن السعي لتلبية ما تريد ، على حساب إهمال السعي للضروريات الأساسية للحياة ، سيتحول – أكثر من أي وقت مضى – إلى مجرد خداع للذات ، لأنه يسرق منك القدرة و الذكاء والحكمة . 

الماضي هنا سيسحبك دائماً نحو الخلف ، سيسحبك للعودة إلى حياة الخيال والتخيل ، والجدل ، والنقاش ، حياة حيث يمكنك فقط أن ترغب من خلالها في النظر بأمور بعينها وليس بغيرها ، حياة حيث لا تريد فيها أن تدرك وتعترف بحقيقة وضعك ، أو رؤية دلائل التغيير العظيم المقبل في الأفق . 

إنه لأمر مأساوي حقاً . مأساوي ليس فقط بسبب النتيجة ، ولكنه مأساوي بسبب فقدانك لقدرتك على اكتساب الحكمة العظيمة ، والقوة التي وهبها الله لك ، ولخدمة العالم من خلالك . وهنا ، لم تخضع حياتك فقط لأمواج التغيير العظيمة ، ولكنك تجاهلت إمكانية تقديمك لمساهمة كبيرة في الحياة .

 وهنا ، أخذتك أحلام النجاح والتوفيق والسعادة والقناعة بعيدا عن المشاركة الحقيقية في الحياة التي من شأنها أن تجلب لك الرضا الصحيح ، والقدرة الصحيحة ، وإمكانية تحقيق قدر أكبر من الهدف الذي جئت من أجله إلى هذا العالم . لكنك تخليت عن شيء عظيم من أجل شيء صغير جدا ، وضئيل . لقد اخترت متعة صغيرة ، وصادرت المتعة الأعظم .

إن الله لن يأتي إليك ليصلح كل شيء لك و للجميع ، ولكنه قد وضع الروح داخل الجميع ، لأن المعرفة فقط يمكنها أن تقودك إلى التصرف بشجاعة ، إلى التصرف بحكمة ، والتصرف بطريقة تجعلك قادراً على الاستفادة من مجموعة التغيير ، وأن تكون في خدمة الآخرين ، وهذا ما سيمنحك راحة عظيمة . 

انظر إلى التاريخ ، وسوف تتعلم من تلك الدروس . وفي هذا المقام ، فإن الماضي هو معلم كبير . انظر إلى الأشخاص الذين يعيشون في فجر أوقات التغيير العظيم ، في بداية أوقات التغيير العظيم ، وانظر إلى عواقب أولئك الذين كانوا على علم بها ، وقاموا بالاستعداد لتلك الأوقات ، ثم انظر إلى عواقب أولئك الذين لم يفعلوا ذلك . هنا يمكن أن يكون التاريخ معلماً عظيماً ، معلماً عظيماً من الحكمة .

 أنت الآن تعيش على عتبة تغيير عظيم في العالم . فإذا لم تستجب لهذا ، ولا تستطيع الوفاء بما منحتك إياه الروح للقيام به ، فاعلم إذاً أن هذه الأوقات سوف تكون مرعبة ، و مُقلقة ، ولن تكون أنت في وضع يسمح لك بالهروب بعيداً عن الصعوبات ، من أجل الاستفادة من الفرص أو حتى لكي تكون في خدمة الآخرين . 

هذا هو السبب في أنك يجب أن تأخذ الأمر على محمل الجد ، وأن تكون جاداً في حياتك أيضاً . لذلك عليك أن تنظر جيداً إلى حياتك . توقف عن اللعب . وتوقف عن التخيّل الإنخرط بالحياة . وأعطي انتباهك إلى ما يريد العالم أن يقوله لك ، ولكن لا تتعجل النتائج ، ولا تبحث عن الأجوبة البسيطة ، ولا تطالب بالحلول ، لأن أمواج التغيير العظيمة القادمة إلى العالم ، واندماج البشرية في المجتمع الأعظم ، هي المشاكل التي ستضطر إلى التعايش معها ، لأنها حالات وأوضاع طويلة الأجل ، بحيث سيتوجب عليك أن تتعلم كيف تتعامل معها خطوة خطوة . سيتوجب عليك التعايش معها ، وأن تسمح للحلول بأن تصل إليك ، وإلى الآخرين بشكل تدريجي ، حيث لا أحد لديه إجابة على هذه الأشياء ، ولا أحد لديه أي حل لأمواج التغيير العظيمة . هناك الكثير من الناس الذين يرون حلولاً لبعض جوانب الأمواج العظيمة. لا أحد لديه إجابات أو حلول لجميع تلك الأمور.

لا أحد لديه إجابة على كيفية التحضير للمجتمع الأعظم – وحيث لا يمكن لأحد من أولئك الناس أن يمتلكوا تلك الدراية ، أو أن يعلموا ماهية الحياة الموجودة وراء حدود هذا الكوكب ، وغير مدركين التعقيدات الاشتباك بين الأمم في الكون المحيط بكوكب الأرض ، ويجهلون ما الذي يتحكم بالحياة والتجارة في هذه المنطقة التي سيتوجب عليك أن تعلم عنها ؟ ولذلك ، فإن الوحي الجديد فقط يمكنه أن يعطيك فكرة عن ذلك . ولكن ، حتي هنا ، عليك أن تنمو وتتقدم في مجال التعليم الحقيقي الذي ستحصل عليه عملياً خطوة بخطوة ، لأن ذلك لا يحدث دفعة واحدة . إلا أن أولئك الكسالى ، اللامبالين ، و الخانعين والضعفاء فقط يعتقدون بأنهم قد اكتسبوا فهماً عظيماً في الوقت الراهن . الأمر ليس كذلك على الإطلاق . فأنت ستتعلم وفق مراحل ، كونك تنمو في مراحل . كما أن المشاكل الكبيرة والتحديات لا يمكن حلها بسرعة .

  وهذا الشئ الذي دائما تعلمنا إياه الحياة ، وهذه هي الطريقة التي يجب أن تتعلم بها الآن ، إذا كنت ستسعى لاكتساب القوة الحقيقية والقدرة على مواجهة أمواج التغيير العظيمة . ولذلك ، سيتوجب عليك اتخاذ خطوات ، ولكن من دون التأكد من أنها خطوات صحيحة ، ومن دون التأكد من النتائج التي ستُظهرها ، وليس في السيطرة على تلك العملية . لا يمكنك العبث في وجه أمواج التغيير العظيمة .

خذ العبر من التاريخ ، ولكن عليك أن تنظر إلى الأمام . حرر عقلك ، ودع عنك افتراضاتك جانباً ، و معتقداتك ، و تميّزك ، وذلك حتى تتمكن من أن ترى وأن تدرك ، وعندها ، يمكنك أن تستجيب لإشارات ودلالات العالم ، وكذلك إشارات ودلالات الروح في داخلك .

 في البداية ، ستبدو هذه العلامات خفية وربما غير واضحة ، ولكن مع مرور الوقت سوف تصبح واضحة للغاية وقوية . وسوف تتعجب كيف أمكنك تجاهلها في السابق ، وكيف تغاضيت عنها من قبل  ، إلا أن هذا سيعطيك القوة والثقة من أن الروح سوف تخاطبك في المستقبل ، وإذا كنت في موقف يسمح لك باتباعها مصحوباً بالقوة والالتزام ، ومن دون افتراضات ، فسوف تكون قادراً على الإبحار . فيما ستبدو حركتك بالنسبة إلى الآخرين غير مفهومه ، بل و ساحقه أيضاً . سوف تكون قادراً على رؤية تلك الهدية ، في حين أن البعض الآخر لا يرى إلا الخسارة . ستكون قادراً على التعرف على ما يتوجب عليك فعله ، وما الذي ستصبح عليه ، في حين أن الآخرين سوف يسقطون و سوف تدمرهم أمواج التغيير العظيمة .

سوف ترى ، مع مزيد من الوضوح أثناء اتباعك للروح ، كيف قام الماضي بخداعك ، وكيف أن ذلك الماضي قد أضعف الوعي لديك ، وكيف أنه أبقاك في مناخ من الغموض ، و مغروراً بنفسك ، وكيف أن الماضي قد جعلك منغلقاً تخوض تجربة مع نفسك التي أصبحت ضعيفة وغير كفؤ . كما سيتوجب عليك أن تكون متواضعاً هنا ، لأن الوضع سيكون أكبر مما أنت فيه ، و سوف لن يكون لديك إجابات سهلة للاعتماد عليها. 

ذلك بسبب وجود أمواج التغيير العظيمة الهائلة منذ وقت طويل . إنها نتاج سوء استخدام الإنسانية للعالم ، ونتاج جشع البشرية ، وصراعات البشرية ، واستخدام البشرية المفرط لموارد العالم ، وجهل البشرية حول الحياة في المجتمع الأعظم . هناك لا مفر من العواقب ، لأن الحياة ستستمر ، ويجب عليك التحرك معها . ستتغير الظروف بطريقة متصاعدة . ولذلك يجب أن تكون قادراً على رؤية ما الذي سيقول لك ذلك التغيير وماذا عليك أن تفعل من أجل أن تصبح أقوى بالروح ، بحيث يمكنك تمييز اللحظة المناسبة للعمل ، واتخاذ العمل الصحيح على حد سواء .

 سوف تتعاظم حدة الخلافات من حولك ، وكذلك الغضب ، والإحباط ، والفوضى ، والارتباك . سيكون الناس في غاية الغضب ، و ساخطين ، كما سيعيش الناس في قلق ، وسيعانون من صعوبات هائلة هنا يمكنك فقط أن تبحث عن الأفراد الآخرين الذين يكونون في حالة استجابة للروح ، وكذلك البحث عن الروح داخل نفسك ، في حين يكون كل من حولك يعيشون في حالة من الهلع ، أو أنهم مستمرون في محاولة خداع أنفسهم – على نحو متزايد – في مواجهة التغيير العظيم . 

ستصبح البيئة العقلية أكثر تنافراً من أي وقت مضى . فالناس سيعانون بسبب أحلامهم وغرورهم من الكثير من الصعوبات العظيمة ، بالإضافة إلى الخوف الرهيب . وسيبدأ أولئك الناس بالتصرف بطريقة التدمير الذاتي . في حين أن الحماقة ، والارتباك ، والعداء ، والصراعات سوف تنمو من حولك . وهكذا ، كيف ستكون قادراً على الحفاظ على تركيزك ، و وضوحك ، ووعيك الذاتي ، وتواصلك مع الروح في خضم هذه البيئة المتزايدة الصعوبة ؟ إنه سؤال مهم . ويمكن الإجابة عليه فقط عن طريق بناء أساس في الروح ، عن طريق التعلم والاطلاع على أمواج التغيير العظيمة ، وعن طريق الاهتمام في كل ما تفعله ، وعما إذا كانت هذه الأمور قادرة على أن تستمر في المستقبل .

 عليك أن تتغير حين لا يتغير الآخرون . وعليك أن تذهب نحو اليمين حين يسير الجميع باتجاه اليسار . سيتوجب عليك الاستجابة ، حيث لا أحد يبدو بأنه سيستجيب ، أو حتى يهتم بذلك . ستقودك الروح إلى التصرف عندما يجب القيام بذلك ، وحتى إذا لم يقم أحد أخر بذلك .

 هنا ، لا يمكنك الاعتماد على الإجماع ، أو الاتفاق بين هؤلاء الناس ، ذلك الاتفاق الذي تعتقد بأنك بحاجة إليه . عليك أن تصبح واقعياً للغاية ، معتمداً على ذاتك ، وواضح التفكير . كما يتوجب عليك أن تتحكم بعواطفك ، وردود أفعالك بما فيه الكفاية ، بحيث يمكنك الحفاظ على وعيك لمعرفة أين أنت ومن أنت ، بغض النظر عما يدور حولك . وسيكون عليك التغلب على إغراءات الخوف الذي سوف يقودك للإنكار ، وتجنب العلامات و إلقاء اللوم على الآخرين . 

لن يكون ذلك سهلاً ، ولكنه هو طريقك للخلاص ، ولأن هذا هو المكان الذي تتقدم فيه قوتك العظيمة نحو الأمام ، فهنا هو المكان حيث تبدأ قوة الروح لتكشف عن واقعها الحقيقي وأهميتها في حياتك . هنا هو المكان حيث تمتلك الهدايا الحقيقية فرصة الظهور للعالم حين لم يكن لها أن تظهر من قبل . هنا ، لن تعيش حياة الراحة و التميّز ، ولكنك ستعيش حياة من الوضوح والمشاركة الفعالة مع الآخرين ومع العالم ، وحيث ستسقط وسائل الراحة بعيداً ، ستصبح الملذات شئ مستحيلاً. ولكن ، سوف يكون هناك زمن عظيم للعطف ، زمن للعطاء العظيم ، حيث ستكون العلاقات العظيمة قد بدأت ، والتي سوف تنمو و في أوقات الخلاص في مواجهة الصعوبات التي ستبدو هائلة ومهيمنة .

 من أجل ذلك ، فإنك ستحتاج إلى اتخاذ موقف مختلف مع نفسك ، وليس كعبد لرغباتك و مخاوفك ، ولا كإنسان ضعيف ، وشخص مثير للشفقة ، ولكن كشخص أرسل إلى العالم لخدمة العالم تحت الظروف ذاتها التي ستتعاظم من حولك . ولذلك ، فإن كل ما حدث معك خلال حياتك من قبل سيبدو ضئيلاً – أكثر من أي وقت مضى – فيما أنت تستجيب مباشرة لما وضعته الحياة في طريقك لكي تتبعه اليوم ، وغداً ، وفي كل الأيام . وهكذا ، فإن كل ما كنت تعتقد حول ما كنت عليه ، وما كنت تعتقد أنك تريده ، واهتماماتك الذاتية الخاصة ، و صراعك مع نفسك ، و ماضيك ، وخيبات الأمل والفشل ، كلها ستذهب بعيداً وستغرق في الماضي أكثر فأكثر و وسوف يتم غسلها عند مصب نهر الحياة . لأنه عندما كنت تعيش بشكل كامل في اللحظة ، وتستعد للمستقبل ، فإن الماضي لا يمكن أن يطاردك . ولا يمكن أن يطغى عليك ، وعلى ما تقدمه ، ولأن حياتك قد مُنحت من أجل أمور هي أكثر إلحاحاً وأكثر أهمية وأعمق مغزي . 

ستتخلص من الماضي من خلال الانخراط في الحاضر ، والاستعداد للمستقبل. إلا أن بعض جوانب ماضيك سوف تستمر في خدمتك ، في حين أن بعض جوانب ماضيك الأخرى سوف تستمر في إزعاجك ، ولكن تركيزك عموماً سوف يكون على العيش في اللحظة ، والاستعداد للمستقبل.

إن هذا التعامل مع الحياة هو عطاء الحياة ، وهو تجديد للحياة . وهنا ، تصبح المعرفة أكثر أهمية من ذكرياتك . هنا ، تصبح تجربة الوضوح أكثر أهمية من أفكارك ، أو معتقداتك . هنا ، تصبح قدرتك على الرؤية والاستجابة أكثر أهمية من أي وقت مضى ، لكيانك ، ومن أفكار الماضي العزيزة لديك . هنا ، تصبح على استعداد للتضحية بما كنت تعتقد بأنك ستسمح لنفسك القيام به ، ومع مرور الوقت ، ستصبح شخصاً عظيماً يخدم هدفاً عظيماً . وهنا ، سيتغير أصدقاؤك ، و معارفك ، و أولوياتك ، و أفعالك ، و وعيك سيتغير ، و كلها ستنقلك نحو موقف أعظم وأكثر أمناً في الحياة . 

هنا ، يجب أن يكون لديك تعاطف عظيم حيال الآخرين ، لأنه سيكون حولك فشل عظيم ، وارتباك ، وفوضى عارمة . وبعد ، فإنه يمكنك القيام بإعداد نفسك ، والذي هو مصيرك ، وسيكون عليك التعاطف مع الآخرين ، لأنك سوف ترى كيف أنه من الصعب حقاً تغيير علاقتك مع نفسك ، وعلاقتك مع العالم . كما سوف ترى كم من الجهد المركز ستبذل – جهد متواصل على مر الزمن ، وعبر كثير من الحالات – ولكنك ستتفهم معنى ذلك التحدي . سترى أن كل شيء في الحياة ذا مغزى ، إنما هو نتاج الالتزام وتوافق التطبيق الذاتي . وسترى قيمة ذلك بالنسبة إليك ، وبالنسبة إلى الآخرين . وسوف تصبح مصدراً للقوة عندما يبدو أن قوة الآخرين ستفشل سيتوجب عليك التعاطف مع الآخرين ، لأنك سوف نرى كيف أنه من الصعب حقا تغيير علاقتك مع نفسك ، وعلاقتك مع العالم .